منهج الدعوة إلى الله (4/4)
مرفت كامل أسرة ثانياً: وسائل الدعوة:
وسائل الدعوة هي ما يستعين به الداعية على تبليغ الدعوة وهي ثلاثة أنواع:
وسائل تبليغ الدعوة بالقول:
والقول على قسمين:
المشافهة: بإلقاء الخطبة، الدرس العلمي، المحاضرة، الندوة، المناقشة والجدل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الكلمة الوعظية، الدعوة الفردية، النصيحة الأخوية، الفتوى الشرعية.
الكتــــابة: بتأليف الكتاب، الكتيب، النشرة، الرسالة، المقال، المسابقة الدعوية.
وفي جميع ذلك لا بد من الإعداد العلمي الجيد والتحضير للمادة المطروحة، بالقراءة والبحث وتخريج الأحاديث التي يستدل بها الحرص على اختيار الحجة منها. والإلقاء مهم جداً للداعية فهو الذي يساعده على إيصال دعوته إلى الجماهير من خلال الخطبة والدرس العلمي والمحاضرة والندوة.
ويعتمد نجاح الإلقاء على عنصرين أساسيين:
عنصر الإقناع: أي إقناع المستمع بالمادة العلمية المطروحة، وذلك بإسنادها بالحجج والأدلة والتوثيق العلمي للمعلومات التي يذكرها.
عنصر الإثـارة: أي إثارة عواطف وأحاسيس المستمع بغية استمالته إلى المادة المطروحة.
ومن الأمور الهامة التي ينبغي للداعية مراعاتها عند الإلقاء ما يلي:
· الإخلاص والاستعانة بالله أولاً وأخيراً.
· الثبات والثقة أمام الجمهور.
· توزيع نظراته على عيون الجمهور، والانتقال ببصره بينهم من جهة إلى أخرى.
· من المستحسن له أن يشدد على الكلمات المهمة ويخفض غيرها، وأن يغير طبقات الصوت ويغير معدل سرعته في الكلام، كأن يقول عدة كلمات بسرعة وعندما يصل إلى الكلمة أو الجملة التي يرغب في التشديد عليها يرفع صوته ببطء، كل ذلك لتشويق وإثارة الجمهور.
· عليه أن يتفاعل مع موضوعه، وأن يركز أثناء الإلقاء ولا ينشغل بغيره كأن يعبث بأزرار ملابسه مثلاً؛ فإن احترامه للجمهور يكسبه احترامهم وإنصاتهم.
· من المناسب له أن يكرر بعض الكلمات للتأكيد عليها ولتفهيم السامعين وترسيخ المعاني في أذهانهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أحياناً كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سلم ثلاثاً وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً. ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد".
· لا مانع من استخدم بعض وسائل الإيضاح، حسب الحاجة بدون تكلف، فقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الإشارات اللطيفة ورسم الخطوط وغرز العود في الأرض.
· التنويع في اختيار الموضوعات المطروحة حسب أهميتها بالنسبة للجمهور.
وبالنسبة للمحاضرة فإن من الأفضل أن يستهل الداعية محاضرته بخطبة الحاجة اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يستهل محاضرته بمقدمة قصيرة يهيئ فيها المستمع ذهنياً لموضوع المحاضرة، بعدئذ يدخل في صلب موضوعه مستشهداً عليه بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، موثقاً كلامه بأقوال أهل العلم، مع ملاحظة التنظيم والدقة والتسلسل في عرض الأفكار، ومراعاة جانب الحضور، بحيث لا يلقي موضوعه بإسهاب ممل ولا اقتضاب مخل، مع التروي في الإلقاء، وعليه أن يختار ما سهل من الألفاظ والعبارات مبتعداً عن التكلف وغريب الكلمات ما استطاع.
وفي ختام المحاضرة يستحسن أن يذكر الداعية أهم العناصر التي تناولها لتكون آخر ما يعلق في أذهان الجمهور، ويعقب ذلك حمدالله والثناء عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى، والصلاة والسلام على نبيه الكريم، ثم يسلم على الجمهور، ومن ثم يستعد للإجابة على الأسئلة التي تدور حول موضوع المحاضرة.
وسائل التبليغ بالعمل:
والتبليغ بالعمل هو كل فعل يؤدي إلى إزالة المنكر ونصرة الحق وإظهاره، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..." الحديث.
والتبليغ بالعمل كما يكون بإزالة المنكر يكون بإقامة المعروف، كبناء المساجد والمشاريع الخيرية ودور تحفيظ القرآن الكريم والمدارس الإسلامية وإقامة المكتبات فيها وتزويدها بالكتب النافعة وطبع الكتب الإسلامية وتوزيعها واختيار الرجل الصالح للعمل في هذه المجالات، وهذا كله في الحقيقة دعوة صامتة.
التبليغ بالسيرة الحسنة:
وأخيراً من الوسائل المهمة في تبليغ الدعوة إلى الله وجذب الناس إلى الإسلام التبليغ بالسيرة الطيبة للداعية، وأفعاله الحميدة، وأخلاقه الكريمة، والتزامه بالإسلام ظاهراً وباطناً، مما يجعله قدوة طيبة وأسوة حسنة لغيره؛ لأن التأثير بالأفعال والسلوك أبلغ من لتأثير بالكلام وحده.
وأصول السيرة الحسنة التي يكون بها الداعية قدوة طيبة لغيره ترجع إلى أصلين عظيمين:
أولاً: حسن الخلق، وهذا باب واسع جداً لا يتسع المقام لطرقه.
ثانياً: موافقة العمل للقول.
ويكفي رادعاً في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتية وأنها كم عن المنكر وآتية". (للاستزادة/ السلوك وأثره في الدعوة إلى الله. د. فضل إلهي).
وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار" قال: قلت: "من هؤلاء" ؟ قالوا: "خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون". (صحيح الترغيب والترهيب).
وقال الحسن البصري رحمه الله: إذا كنت آمر بالمعروف فكم من أخذ الناس به وإلا هلكت، وإذا كنت ممن ينهى عن المنكر فكم من أنكر الناس له وإلا هلكت.
وقال ابن النحاس الدمشقي رحمه الله: فالعالم إذا خالف علمه عمله وكذب فعله قوله كان ممقوتاً في الأرض والسماء، مضلة لمن رام به الاقتداء. وإذ أمر بغير ما يعمل مجت الأسماع كلامه، وقلت في الأعين مهابته وزالت من القلوب مكانته، كما قال مالك بن دينار: "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه تزل موعظته عن القلوب كما يزل القطر من الصفا".
من هنا نجد أن السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من أشد الناس حرصاً على تحقيق القدوة الحسنة في حياتهم بل وذويهم، روى ابن أبي شيبة عن سالم قال كان عمر رضي الله عنه إذا أنهى الناس عن شيء جمع أهل بيته فقال: "إني نهيت الناس كذا وكذا وإن الناس لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأيم الله لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت له العقوبة ضعفين".
هكذا تحيا قلوب أهل الإيمان والتقوى والعلم والدعوة.
خلاصة ما سبق.. إنه يجب على الداعية إلى الله أن يسلك منهج النبوة في دعوته، وذلك من خلال تطبيق قول الله عز وجل { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وذلك من خلال مجالات البصيرة الثلاث: البصيرة فيما يدعو، البصيرة في حال المدعو، البصيرة في كيفية الدعوة.
ختاماً أسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص والمتابعة في العلم والعمل والدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
|